فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: لم أر في القرآن آية أرجى من التي فيها {غافر الذنب وقابل التوب} قدم الغفران قبل قبول التوبة.
وعن عثمان رضي الله عنه لم أر آية أرجى من {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} وعن عليّ كرّم الله وجهه ورضي عنه لم أر آية أرجى من {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} الآية. قالوا ذلك حين تذاكروا القرآن.
وعن القرطبي: لم أر آية أرجى من {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} الآية، وقال أبو عبد الله الرازي: الأرواح والنفوس مختلفة بماهيتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور، وبعضها كدِرة ظلمانية يظهر فيها من القرآن ضلال ونكال انتهى.
وثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال: إني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقال: سلوه عن الروح فقال بعضهم: لا تسألوه فسيفتيكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه فأنزل عليه {ويسألونك عن الروح} الآية.
وروي أن يهود قالوا لقريش: سلوه عن الروح وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها فإن أجاب في ذلك كله أو لم يجب في شيء فهو كذاب، وإن أجاب في بعض ذلك وسكت عن بعض فهو نبي.
وفي بعض طرق هذا: إن فسر الثلاثة فهو كذاب وإن سكت عن الروح فهو نبي فنزل في شأن الفتية {أم حسبت أن أصحاب الكهف} ونزل في شأن الذي بلغ الشرق والغرب {ويسألونك عن ذي القرنين} ونزل في الروح {ويسألونك عن الروح} والظاهر من حديث ابن مسعود أن الآية مدنية ومن سؤال قريش أنها مكية، والروح على قول الجمهور هنا الروح التي في الحيوان وهو اسم جنس وهو الظاهر.
وقال قتادة: هو جبريل عليه السلام قال وكان ابن عباس يكتمه.
وقيل: عيسى ابن مريم عليه السلام وعن عليّ أنه ملك، وذكر من وصفه ما الله أعلم به ولا يصح عن عليّ.
وقيل: الروح القرآن ويدل عليه الآية قبله والآية بعده.
وقيل: خلق عظيم روحاني أعظم من الملك.
وقيل: الروح جند من جنود الله لهم أيد وأرجل يأكلون الطعام ذكره العزيزي.
وقال أبو صالح خلق كخلق آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل، ولا ينزل ملك من السماء إلاّ ومعه واحد منهم، والصحيح من هذه الأقوال القول الأول، والظاهر أنهم سألوا عن ماهيتها وحقيقتها وقيل عن كيفية مداخلتها الجسد الحيواني وانبعاثها فيه وصورة ملابستها له، وكلاهما مشكل لا يعلمه قبل إلاّ الله.
وقد رأيت كتابًا يترجم بكتاب النفخة والتسوية لبعض الفقهاء المتصوفة يذكر فيها أن الجواب في قوله: {قل الروح من أمر ربي} إنما هو للعوام، وأما الخواص فهم عنده يعرفون الروح، وأجمع علماء الإسلام على أن الروح مخلوقة، وذهب كفرة الفلاسفة وكثير ممن ينتمي إلى الإسلام إلى أنها قديمة واختلاف الناس في الروح بلغ إلى سبعين قولًا، وكذلك اختلفوا هل الروح النفس أم شيء غيرها، ومعنى {من أمر ربي} أي فعل ربي كونها بأمره، وفي ذلك دلالة على حدوثها والأمر بمعنى الفعل وارد قال تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} أي فعله، ويحتمل أن يكون أمرًا واحدًا الأمور وهو اسم جنس لها أي من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها. وقيل: من وحي ربي، وكلامه ليس من كلام البشر ويتخرج على قول من قال إن الروح هنا القرآن. وقيل: من علم ربي والظاهر أن الخطاب في {وما أوتيتم} هم الذين سألوا عن الروح وهم طائفة من اليهود. وقيل اليهود بجملتهم. وقيل الناس كلهم.
قال ابن عطية: وهذا هو الصحيح لأن قوله: {قل الروح} إنما هو أمر بالقول لجميع العالم إذ جميع علومهم محصورة وعلمه تعالى لا يتناهى. وقرأ عبد الله بن مسعود والأعمش: وما أوتوا بضمير الغيبة عائدًا على السائلين، ولما ذكر تعالى ما أنعم به من تنزيل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم شفاء ورحمة وقدرته على ذلك، ذكر قدرته على أنه لو شاء لذهب بما أوحى ولكنه تعالى لم يشأ ذلك والمعنى أنّا كما نحن قادرون على إنزاله نحن قادرون على إذهابه.
وقال أبو سهل: هذا تهديد لغير الرسول صلى الله عليه وسلم بإذهاب ما أوتوا ليصدهم عن سؤال ما لم يؤتوا كعلم الروح وعلم الساعة.
وروي لا تقوم الساعة حتى يرتفع القرآن والحديث وفي حديث ابن مسعود يسري به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وبما في القلوب، ثم قرأ عبد الله {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}.
وقال صاحب التحرير: ويحتمل عندي في تأويل الآية وجه غير ما ذكر وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما أبطأ عليه الوحي لما سُئل عن الروح شق ذلك عليه وبلغ منه الغاية، فأنزل الله تعالى تهذيبًا له هذه الآية.
ويكون التقدير أيعز عليك تأخر الوحي فإنّا لو شئنا ذهبنا بما {أوحينا إليك} جميعه فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وطاب قلبه ولزم الأدب انتهى.
والباء في {لنذهبن بالذي} للتعدية كالهمزة وتقدم الكلام على ذلك في قوله: {لذهب بسمعهم} في أوائل سورة البقرة.
والكفيل هنا قيل من يحفظ ما أوحينا إليك.
وقيل كفيلًا بإعادته إلى الصدور.
وقيل كفيلًا يضمن لك أن يؤتيك ما أخذ منك.
وقال الزمخشري: والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور والمصاحف ولم نترك له أثرًا وبقيت كما كنت لا تدري ما الكتاب ثم لا تجد لك بهذا الذهاب من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظًا مسطورًا {إلاّ رحمة من ربك} إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك كان رحمته يتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع بمعنى ولكن رحمة من ربك نتركه غير مذهوب به، وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظًا بعد المنة في تنزيله وتحفيظه انتهى.
وعلى الاستثناء المنقطع خرجه ابن الأنباري وابن عطية.
قال ابن الأنباري: لكن رحمة من ربك تمنع من أن تسلب القرآن، وقال في زاد المسير المعنى لكن الله يرحمك فأثبت ذلك في قلبك.
وقال ابن عطية: لكن {رحمة من ربك} تمسك ذلك عليك وتخريج الزمخشري الأول جعله استثناء متصلًا جعل رحمته تعالى مندرجة تحت قوله تعالى: {وكيلًا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان} وقرئ: {نُنْزل} من الإنزال {مَا هُوَ شِفَاء} لِما في الصدور من أدواء الرَّيْب وأسقامِ الأوهام {وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} به العالِمين بما في تضاعيفه، أي ما هو في تقويم دينِهم واستصلاحِ نفوسِهم كالدواء الشافي للمرضى، ومن بيانيةٌ قُدِّمت على المبيَّن اعتناءً فإن كلَّ القرآنِ كذلك، وعن النبي عليه السلام: «مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بالقرآن فلا شفاه الله» أو تبعيضةٌ لكن لا بمعنى أن بعضَه ليس كذلك بل بمعنى إنا ننزل منه في كل نَوْبةٍ ما تستدعي الحكمةُ نزولَه حينئذ، فيقع ذلك ممن نزل عليهم بسبب موافقتِه لأحوالهم الداعيةِ إلى نزوله موقعَ الدواءِ الشافي المصادفِ لا بأنه من المرضى المحتاجين إليه بحسب الحالِ من غير تقديمٍ ولا تأخير، فكلُّ بعضٍ منه متصفٌ بالشفاء لكن لا في كل حينٍ بل عند تنزيلِه، وتحقيقُ التبعيضِ باعتبار الشفاءِ الجُسماني كما في الفاتحة وآياتِ الشفاء لا يساعده قوله سبحانه: {وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا} أي لا يزيد القرآنُ كلُّه أو كلُّ بعضٍ منه الكافرين المكذبين به الواضعين للأشياء في غير مواضعِها مع كونه في نفسه شفاءً من الأسقام إلا خَسارًا أي هلاكًا بكفرهم وتكذيبِهم لا نقصانًا كما قيل، فإن ما بهم من داء الكفرِ والضلالِ حقيقٌ بأن يعبّر عنه بالهلاك لا بالنقصان المنبىءِ عن حصول بعضِ مبادي الأسقامِ فيهم وزيادتِهم في مراتب الهلاك من حيث أنهم كلما جددوا الكفرَ والتكذيبَ بالآيات النازلةِ تدريجًا ازدادوا بذلك هلاكًا، وفيه إيماءٌ إلى أن ما بالمؤمنين من الشُّبَه والشكوك المعتريةِ لهم في أثناء الاهتداءِ والاسترشادِ بمنزلة الأمراضِ، وما بالكفرة من الجهل العنادِ بمنزلة الموتِ والهلاك، وإسنادُ الزيادة المذكورةِ إلى القرآن مع أنهم هم المُزْدادون في ذلك بسوء صُنعِهم باعتبار كونِه سببًا لذلك، وفيه تعجيبٌ من أمره حيث يكون مدارًا للشفاء والهلاك.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان} بالصحة والنعمة {أَعْرَضَ} عن ذكرنا فضلًا عن القيام بموجب الشكر {وَنَأَى} تباعدَ عن طاعتنا {بِجَانِبِهِ} النأيُ بالجانب أن يَلْويَ عن الشيء عِطفَه ويُولِيَه عُرضَ وجهِه، فهو تأكيدٌ للإعراض أو عبارةٌ عن الاستكبار لأنه من ديدن المستكبرين {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} من فقر أو مرض أو نازلةٍ من النوازل، وفي إسناد المِساسِ إلى الشر بعد إسنادِ الإنعامِ إلى ضمير الجلالةِ إيذانٌ بأن الخيرَ مرادٌ بالذات والشرَّ ليس كذلك {كَانَ يَئُوسًا} شديدَ اليأس من رَوْحنا، وهذا وصفُ للجنس باعتبار بعضِ أفرادِه ممن هو على هذه الصفةِ، ولا ينافيه قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} ونظائرُه، فإن ذلك شأنُ بعضٍ آخرين منهم، وقيل: أريد به الوليدُ بنُ المغيرة وقرئ {ناء} إما على القلب كما يقال: راءَ في رأي وإما على أنه بمعنى نهض.
{قُلْ كُلٌّ} أي كلُّ أحدٍ منكم وممن هو على خلافكم {يَعْمَلُ} عمله {على شَاكِلَتِهِ} طريقتِه التي تشاكل حالَه في الهدى والضلالة أو جوهرِ روحِه وأحوالِه التابعة لمزاج بدنِه {فَرَبُّكُمْ} الذي برأكم على هذه الطبائِع المتخالفة {أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلًا} أي أسدُّ طريقًا وأبينُ مِنهاجًا وقد فُسِّرت الشاكلةُ بالطبيعة والعادةِ والدين.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح} الظاهرُ أن السؤالَ كان عن حقيقة الروح الذي هو مدبّرُ البدنِ الإنساني ومبدأُ حياتِه، روي أن اليهودَ قالوا لقريش: سلوه عن أصحاب الكهفِ وعن ذي القَرنين وعن الرّوح، فإن أجاب عنها جميعًا أو سكت فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبيٌّ، فبيّن لهم القصتين وأبْهم أمرَ الروح وهو مُبْهمٌ في التوراة {قُلِ الروح} أُظهر في مقام الإضمارِ إظهارًا لكمال الاعتناءِ بشأنه {مِنْ أَمْرِ رَبّى} كلمةُ من بيانيةٌ والأمرُ بمعنى الشأنِ والإضافةُ للاختصاص العِلْميِّ لا الإيجاديّ لاشتراك الكلِّ فيه وفيها من تشريف المضافِ ما لا يخفى كما في الإضافة الثانيةِ من تشريف المضافِ إليه، أي هو من جنس ما استأثر الله تعالى بعلمه من الأسرار الخفيةِ التي لا يكاد يحوم حولها عقولُ البشر.
{وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} لا يمكن تعلّقُه بأمثال ذلك، روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك. قالوا: نحن مختصّون بهذا الخطابِ قال عليه الصلاة والسلام: «بل نحن وأنتم» فقالوا: ما أعجبَ شأنَك، ساعةً تقول: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} وساعةً تقول هذا، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّمَّا في الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} الآية، وإنما قالوا ذلك لركاكة عقولِهم فإن الحكمةَ الإنسانيةَ أن يعلم من الخير ما تسعه الطاقةُ البشريةُ بل ما نيط به المعاشُ والمعادُ وذلك بالإضافة إلى ما لا نهايةَ له من معلوماته سبحانه قليلٌ يُنال به خيرٌ كثيرٌ في نفسه أو بالنسبة إلى الإنسان أو هو من الإبداعيات الكائنةِ بمحض الأمرِ التكوينيِّ من غير تحصّلٍ من مادة وتولُّدٍ من أصل كأعضاء الجسدِ حتى يمكن تعريفُه ببعض مباديه، ومآلُه أنه من عالم الأمرِ لا من عالم الخَلق وليس هذا من قَبيل قوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فإن ذلك عبارةٌ عن سرعة التكوينِ سواءٌ كان الكائنُ من عالم الأمرِ أو من عالم الخلقِ، وفيه تنبيهٌ على أنه مما لا يحيط بكنهه دائرةُ إدراكِ البشر وإنما الممكن هذا القدرُ الإجماليُّ المندرجُ تحت ما استُثني بقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} أي إلا علمًا قليلًا تستفيدونه من طرُق الحواسِّ فإن تعقّلَ المعارفِ النظرية إنما هو من إحساس الجزئياتِ، ولذلك قيل: من فقد حِسًّا فقد علمًا، ولعل أكثر الأشياءِ لا يدركه الحسُّ ولا شيءٌ من أحواله التي يدور عليها معرفةُ ذاتِه، وأما حملُ ما ذكر على السؤال عن قِدَمه وحدوثه وجعلُ الجوابِ إخبارًا بحدوثه أي كائنٌ بتكوينه حادثٌ بإحداثه بالأمر التكويني، فمع عدم ملاءمتِه لحال السائلين لا يساعده التعرّضُ لبيان قلةِ علمِهم، فإن ما سألوا عنه مما يفي به علمُهم حينئذ وقد أُخبر عنه، وقيل: المرادُ بالروح خلقٌ عظيم رُوحاني أعظمُ من المَلَك، وقيل: جبريلُ عليه السلام، وقيل: القرآنُ، ومعنى من أمر ربي من وحيه وكلامِه لا من كلامِ البشر.
{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} من القرآن الذي هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ومنبَعٌ للعلوم التي أوتيتَها وثبتّناك عليه حين كادوا يفتنونك عنه ولولاه لكدتَ تركن إليهم شيئًا قليلًا، وإنما عبّر عنه بالموصول تفخيمًا لشأنه ووصفًا له لما بما في حيز الصلة ابتداءً وإعلامًا بحاله من أول الأمرِ وبأنه ليس من قبيل كلامِ المخلوقِ، واللامُ موطئةٌ للقسم ولنذهبن جوابُه النائبُ منابَ جزاءِ الشرطِ، وبذلك حسُنَ حذفُ مفعولِ المشيئةِ، والمرادُ من الذهاب به المحوُ من المصاحف والصدورِ وهو أبلغُ من الإذهاب. عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن أولَ ما تفقِدون من دينكم الأمانةُ وآخرَ ما تفقِدون الصلاةُ وليُصَلّين قومٌ ولا دينَ لهم، وأن هذا القرآنَ تُصبحون يومًا وما فيكم منه شيءٌ، فقال رجلٌ: كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتْناه في مصاحفنا نعلّمه أبناءَنا ويعلمه أبناؤُنا أبناءَهم؟ فقال: يسرى عليه ليلًا فيصبح الناسُ منه فقراءَ تُرفع المصاحفُ وينزَعُ ما في القلوب {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ} أي بالقرآن {عَلَيْنَا وَكِيلًا} من يتوكل علينا استردادَه مسطورًا محفوظًا.
{إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} فإنها إن نالتْك لعلها تستردّه عليك، ويجوز أن يكون الاستثناءُ منقطِعًا بمعنى ولكنْ رحمةٌ من ربك تركَتْه غيرَ مذهوبٍ به، فيكون امتنانًا بإبقائه بعد المنة بتنزيله وترغيبًا في المحافظه على أداء حقوقِه وتحذيرًا من أن لا يُقدرَ قدرُه الجليلُ ويفرَّط في القيام بشكره وهو أجلُّ النعم وأعظمُها {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} كإرسالك وإنزالِ الكتابِ عليك وإبقائِه في حفظك وغير ذلك. اهـ.